الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: المدهش في المحاضرات ***
يا من أيامه تعظه، حين تبنيه وتنقضه، يا من صحته تمرضه، وسلامته تحرضه، يقرض عمره فيفنى ومن يقرضه: أرى الدهر أغنى خطبه عن خطابه *** بوعظ شفى البابـنـا بـلـبـابـه له قلب تهدى القـلـوب صـواديا *** إليها وتعمى عن وشيك انقـلابـه هو اللـيث إلا أنـه وهـو خـادر *** سطا فأغاب الليث عن أنس غابـه وهيهات لم تسلم حـلاوة شـهـده *** لصاب إليه من مـرارة صـابـه مبـيد مـبـاديه تـغـر وإنـمـا *** عواقبه مخـتـومة بـعـقـابـه ألم تر من ساس الممـالـك قـادراً *** وسارت ملوك الأرض تحت ركابه ودانت له الدنيا وكـادت تـحـلـه *** على شهبها لولا خمود شـهـابـه لقد أسلمته حصنـه وحـصـونـه *** غداة غدا عن كسبه باكتـسـابـه فلا فضة أنجته عند انفـضـاضـه *** ولا ذهب أغناه عـنـد ذهـابـه سلا شخصـه وراثـه بـتـراثـه *** وأفـرده أتـرابـه بـتـرابــه كم دارس عليك إن الرابع دارس، كم واعظ ناطق وآخر هامس، كم غمست حبيباً في الثرى كف رامس، كم طمس وجهاً صبيحاً من البلى طامس، تالله ما نجا بطبه بقراط ولا أرسطا طالس، صاح الموت بالقوم فنكس الفارس، أين الفطن اللبيب أين اليقظ القائس؟ أتشتري أخس الخسائس يا نفس النفائس؟ أتؤثر لذة لحظة تجني حرب البسوس وداحس؟ يا مقترين من التقى، اشتروا نفوسكم عن الذنوب تشتروا لها السنادس، أخواني، لو ذكرتم أنكم تبادون ما كنتم بالمعاصي تبادون، لقد صوت فيكم الحادون وما كأنكم للخير ترادون، واعجباً تصادون المواعظ ولا تصادون، إلى متى تراوحون الذنوب وتغادون؟ يا مقيمين وهم حقاً غادون، أتعادون من يقول إنكم تعادون؟ كأنكم بكم تقادون إلى مقام فيه تقادون، أما سمعتم كيف نادى المنادون؟ كل شيء دون المنى دون: يا نائم الليل تنبه لـلـتـقـى *** وانهض فقد طال بك القعود بين يديك حادث لـمـثـلـه *** يغسل عن أجفانه الـرقـود ما جحد الصامت من نـشـأه *** ومن ذوي النطق أتى الجحود الدهر خطيب كاف، والفكر طبيب شاف، كم قطع زرع قبل التمام فما ظن المستحصد، من عرف الستين أنكر نفسه، من بلغ السبعين اختلفت إليه رسل المنية، عواري الزمان في ضمان الارتجاع، يوسف العقل ينظر في العواقب، وزليخا الهوى تتلمح العاجل، يا مقدمين على الحرام أنتم بعين من حرم، ينبغي لمن أُلبس ثوب العافية أن لا يدنسه بوسخ الزلل، زرع النعم مفتقر إلى دوران دولاب الشكر، فإذا فتح القلب سكر الاعتراف بالعجز صار السقي سبحاً. هذا اليوم يقول: ارضني وعلى رضا أمس، السكون بالبلادة أصعب من التحريك بالهوى، إذا رآك عقلك، وقد تولى حسُّك تدبيرك تولى، ويحك لا تأمن حسك على عقلك فإنه عكس الحكمة، العقل نور والحس ظلمة، الحس أعشى والعقل عين الهدهد، الحس طفل والعقل بالغ، العقل يدخل في المضائق والحس أبله، الحس لا يرى إلا الحاضر والعقل يتلمح الآخر، الصبر عن الأغراض صبر غير أن الحازم يجعل مراقبة العواقب تقوية، ما خلا قط وجه سرور من تعبس مكروه، ولا سلمت كأس لذة، من شائبة نغصة: للمتنبي: فذي الدار أخونُ من مومس *** وأخدعُ من كِفةِ الحـابـل تفانى الرجال على حبّـهـا *** وما يحصلون على طـائل كل صاف من الدنيا، مقرون بكدر، حتى أنه في الغيث عيث، أتريد أن لا ينعكس لك غرض؟ فما هذا موضعه، الهبات ذاهبات، والليل مناهبات، الدنيا قنطرة واستيطان القناطير بله. هل نجد إلا منـزل مـفـارق *** ووطن في غيره يقضي الوطر الهم فيها أكثر من الفرح، والسرور أقل من الحزن "وأنَّ الدار الآخرة لهي الحَيَوان" يا مجتهداً في طلب الدنيا، اجعل عشر اجتهادك للأخرى، جهزت البنات وتزوجت البنين، فأنت بماذا تجهزت للرحيل؟ يا متقاعداً عن أوامر الرب، احذر أن يقعدك عن نهضاتك تزمن، واعجباً إن حركت إلى الطاعة، فزحل وإن لاح لك الهوى فعطارد عينك قد استرقها المنظور، ولسانك يتصرف فيه اللغو، ويدك. يحركها الزلل، وخطا أقدامك إلى الخطأ، ثم قد أسكنت الهوى قلبك، فأين يكون الملك؟ وهل ترك لنا عقيل من منزل. ويحك إن الإنسان يشد في إصبعه خيطاً يتذكر به حاجته، وهل في جسدك عرق أو شعرة إلا وهي تذكر بالخالق، فما وجه هذا النسيان البارد، يا من باعنا نفسه ثم ماطل بالتسليم، لا أنت ممن يفسخ العقد ولا ممن يمضي البيع، تدعي الرحلة إلى دار الحبيب، ودهليز سرادقك إلى بلد الهوى، هيهات لا يدرك علم الربانية إلا من ربى فيه. للمهيار: يا قلب ما أنت وأهلَ الحمى *** وإنما هم أمسُكَ الذاهـبُ دون نجدٍ وظباءِ الحـمـى *** أن يُقرح المنسِمُ والغاربُ لا بد في سلوك الطريق من مصابرة رفيق، البلاء له خلق صعب فاصبر على مداراته، البلايا ضيوف فأحسن قراها لترحل عنك إلى بلد الجزاء مادحة لا قادحة، من حك بأظفار شكواه جلد عيشه أدمى دينه، البلاء ظلمة غبش ويا سرعة طلوع الفجر، اللهم أعن أطفال التوبة على ما ابتلوا به من جوع شديد، فإذا أعد قرص الإفطار نزل ضيف "ويُؤثرون" فزاحم، فأراح "أحَسِبَ الناس أن يُتركوا". إن هواك الذي بقلـبـي *** صيرني سامعاً مطيعـا أخذت قلبي وغمض عيني *** سلبتني النوم والهجوعـا فذر فؤادي وخذ رقـادي *** فقال لا بل هما جميعـا فإذا تمكنت قدم المريد وطاب له ارتضاع ثدي الوصال قطع عنه في أهنأ ما كان يراد منه زيادة القلق، في الحديث يوحي الله تعالى إلى جبريل عليه السلام اسلب عبدي حلاوة مناجاتي فإن تضرع إليّ فردها، فلو سمعت استغاثة المحبين، لأورثتك القلق: على بعدك لا يصبر *** من عادته القـرب ولا يقوى على حجبك *** من تيمـه الـحـب فمهلاً أيها الساقـي *** فقد يشهدك القلـب فإن لم تترك العـين *** فقد يشهدك القلـب يا من قد غلبته نفسه وبطش بعقله حسه، استدرك صبابة اليقظة وصح في سمع قلبك بموعظة. يا نفس توبي فإن الموت قد حـانـا *** واعصى الهوى فالهوى ما زال فتانا أما ترينا المنايا كيف تـلـقـطـنـا *** لقطاً وتلحـق أخـرانـا بـأولانـا في كل يوم لنـا مـيت نـشـيعـه *** نرى بمصرعـه آثـار مـوتـانـا يا نفس مالي وللأموال أتـركـهـا *** خلفي وأخرج من دنياي عـريانـا أبعد خمسين قد قضيتـهـا لـعـبـاً *** قد آن أن تقصري قـد آن قـد آنـا ما بالنا نتعامى عـن مـصـائرنـا *** ننسى بغفلتنا من لـيس ينـسـانـا نزداد حرصاً وهذا الدهر يزجـرنـا *** كان زاجرنا بالحـرص أغـرانـا أين الملوك وأبناء المـلـوك ومـن *** كانت تخر لـه الأذقـان إذعـانـا صاحت بهم حادثات الدهر فانقلبـوا *** مستبدلين من الأوطـان أوطـانـا
خلوا مدائن كان العز مفـرشـهـا *** واستفرشوا حفراً غبراً وقيعـانـا
يا راكضاً في ميادين الهوى مرحـاً *** ورافلاً في ثياب الغي نـشـوانـا
مضى الزمان وولى العمر في لعب *** يكفيك ما قد مضى قد كان ما كانا
أين الزاد يا مسافر؟ أين درع التقوى يا سافر؟ لقد أنشب الموت فيك الأظافر ولا تشكن أنه ظافر، هذه النبل فأين المغافر، كيف تصنع إن غضب الغافر؟ يا مبارزاً بالقبيح أمؤمن أنت أم كافر؟ إن قمت سدلت من ثياب كبرك وإن أقمت سدرت من شراب خمرك، اصطفقت أبواب المواعظ. وما استفقت، تقف في الصلاة بغير خضوع وتقرأ للتخويف وما ثم خشوع، يا نائماً عن صلاحه كم هذا الهجوع؟ يا دائم الحضور عندنا هل عمرك إلا أسبوع؟ إن لنجم الحياة لأفول، ولشمس الممات لطلوع، أين أبوك أين جدك؟ السيف قطوع، كيف تبقى مع كسر الأصول ضعاف الفروع؟ تعلق الدنيا بقلبك وتعتذر بلفظ مصنوع، إصرارك كالصحيحين وإقلاعك حديث موضوع، مزق أملك. فالعمر قصير، حقق عملك فالناقد بصير، زد زاد سفرك فالطريق بعيد، ردد نظر فكرك فالحساب شديد، صح بالقلب لعله يرعوي، سلمه إلى الرائض عساه يستوي، يا مؤثر البطالة عالم الهوى دنس، عاشق الهوى جامد الفكر فلو ذاب ما ذاب. سهر العيون لغير وجهك ضائع *** وبكاؤهن لغير وصلك باطـل يا هذا وجه ناقتك إلى بادية الزيارة، فإن لها بنسيم نجد معرفة، قفها على الجادة وقد هب لها نسيم الشيح من الحجاز، إن أعوزك في الطريق ماء فتمم مزادتك بالبكاء. لعلي بن أفلح: دعها لك الخير وما بدا لـهـا *** من الحنين ناشطاً عقـالـهـا ولا تعللـهـا بـجـو بـابـل *** فهو أهاج بالجوى بلبـالـهـا ولا تعقها عن عـقـيق رامة *** فإنها ذكراه قـد أمـالـهـا نشدتك الله إذا جئت الـربـى *** فرد أضاها واستظل ضالهـا وناوح الورق بشجـو ثـاكـل *** أطفى لها ريب الردى أطفالها بدأ بآدم في طريق ابتلائه ثلاثمائة سنة، وعام نوح في دمعه ثلاثمائة عام، وضج داود من دائه حتى ذوى، كان كلما هاج حر الحزن هاج نبت الفرج، فحالت الحال دمعاً فأجدب البصر وأعشب الوادي فلو وزنت دموعه بدموع الخلائق لرجحت. للشريف الرضي: عندي من الدمع ما لو كان وارده *** مطيُّ قومك يوم الجزع ما نزحا غادَرْنَ أسوانَ ممطوراً بعبرتـه *** ينحو مع البارق العُلوي أين نحا هل تبلغنهم النفس التي تلـفـت *** فيهم شعاعاً أو القلب الذي قَرِحا إن هان سفحُ دمي بالبين عندهُـمُ *** فواجبٌ أن يهون الدمع إن سُفحا كان يحيى بن زكريا يبكي حتى رق جلدة خده وبدت أضراسه، هذا وقد كان على الجادة فكيف بمن ضل؟ واعجباً من بكائه وما ثم مأتم، فكيف بمن ما انقضى يوم إلا ومأتم ما تم؟ يا هذا إن كان قد أصابك داء داود، فنح نوح نوح تحيى حياة يحيى. لا تحبسن ما العـيون فـإنـه *** لك يا لديغ هـواهـم درياق شنوا الإغارة في القلوب بأسهم *** لا يرتجى لأسيرها إطـلاق واستعذبوا ماء الجفون فعذبـوا *** الأسرار حتى درت الأمـاق كان عمر بن عبد العزيز وفتح الموصلي يبكيان الدم، وقليل في جنب ما نطق به لسان الوعيد إذا خلا الفكر باليقين، ثارت عجاجة الدمع، فإذا أقرح الحزن القلب استحالت الدموع دماً. للمهيار: أجارتنا بالغور والركبُ متـهـمُ *** أيعلم خالٍ كيف بات الـمـتـيمُ بنا أنتمُ من ظاعنين وخـلّـفـوا *** قلوباً أبت أن تعرف الصبر عنهمُ ولما انجلى التوديع عما حذرتـه *** ولم يبق إلا نظـرةٌ تـتـغـنـمُ بكيتُ على الوادي فحرمتُ ماءه *** وكيف يحلُّ المرءُ أكـثـره دم؟ واعجباً أطار حكم حديث العذيب وأنتم من وراء النهر، يا منقطعين عن الأحباب تعالوا نمشي رفقة، فمجمعنا مأتم الأسى، موعدنا مقابر الأسف. تعالين نعالج زفرة *** البين تعـالـينـا نزود إذناً شكـوى *** وتودع نظرة عينا ونبكي من يد البـين *** عسانا نعطف البينا فما زاد النـوى إلا *** لجاجاً ما تباكـينـا إلى أين أما تعـلـم *** يا سائقـهـا الأينـا إذا عرست بالجرعاء *** وسطا بين ما بينـا فحيى اللـه يبـرين *** وعين الرمل حيينـا يا هذا، عاتب نفسك على تفريطها ثم حاسبها على تخليطها، حدثها بما بين يدها وأخبرها، أشر عليها بمصلحتها ودبرها. استمدي للموت يا نفس واسعي *** لنجاة فالحازم المـسـتـعـد قد تبينت أنه لـيس لـلـحـي *** خلود ولا مـن الـمـوت بـد أي ملك في الأرض أو أي حظ *** لامرئ حظه من الأرض لحد كيف يهوى امـرؤ لـذاذة أيام *** عليه الأنفاس فـيهـا تـعـد آه لنفوس بغرور هذه الدنيا يخدعن، فإذا فاتهن شيء من فان توجعن، شربن من مياه الغفلة وتجرعن، فلما بانت حبة الفخ أسرعن، فما انجلت ساعة التفريط حتى وقعن، أما علمن أنهن يحصدن ما يزرعن، أما تيقن أنهن في هلاكهن يشرعن، يا قلة ما تنعمن، ويا احتقار ما تمتعن، أما هن عن قليل في اللحد يضجعن، أين تلك الأقدام المشيعة لهن؟ تصدعن، بئس حافظ الأجساد تراب يقول دعهن لما أودعهن، طال ما كن يوترن الذنوب ويشفعن، فلو رأيتهن بعد الموت يتضرعن "رب ارجعون" لا والله لا يرجعن، يا عجباً هذه الآفات لهن ويهجعن، وهذا الحبس الشديد ويرتعن، يا لها من مواعظ فهل أثرن أو نجعن. يا هذا، اخل بنفسك في بيت الفكر، واعذلها في الهوى فإن لم تلن فاخرج بها على عسكر المقابر، فإن لم ترعوي فاضربها بسوط الجوع. يا هذا، العزلة. تجمع الهمم، والمخالطة نهابة، الهوى مرضع كثير التخليط، فهذا طفل قلبك كثير المرض، عجل فطامه وقد صح، العزلة والقناعة والصبر والعفة والتواضع عقاقير كيمياء النجاة يبلغن بمستعملهن مرتبة الغنى، والحرص والشره والغضب والعجب والكبر كلهم مجانين في مارستان العقل وهو القيم عليهم، فليتحذر الغفلة عنهم فإنه إن أفلت مجنون حل الباقين. يا هذا حصن السلامة العزلة، أقل ما في الخروج منه من الأذى، مصادمة الهواء المختلف المهاب في بادية الشهوات، وقد عقبته جنوب المجانبة للصواب، فصار وباء، وإياك أن تتعرض لهواء الوبي مغتراً بصحة مزاجك، فإنك إن سلمت من فضول الفتن من التلف لم تأمن زكمة، ومتى تمكنت زكمة الهمة لم تشم الفضائل. يا قلب الأم لا يفيد النـصـح *** عمر ولى وقد توالى القبـح جرح دام وقد تبـدى جـرح *** ما تشعر بالخمار حتى تصحو لما انقشع غيم الغفلة عن عيون أهل اليقين، لاح لهم هلال الهدى في صحراء اليقظة، فبيتوا نية الصوم عن الهوى على عزم: عزفت نفسي عن الدنيا، دخل محمد بن كعب القرظي على عمر بن عبد العزيز وقد غيره الزهد فأنكره، فقال: يا ابن كعب فكيف لو رأيتني بعد ثلاثة أيام في قبري؟ لم تبق فيهم حرارات الهوى وجوى *** الأحزان غير خيالات وأشـبـاح تكاد تنكرهم عين الخبـير بـهـم *** لولا تـردد أنـفــاس وأرواح كان وهيب بن الورد قد نحل من التعبد، فكانت خضرة البقل تبين تحت جلدة بطنه. للمهيار: زعمتِ لا يُبلي هواك جسدي *** بَلى وحسبي بكم لقد بـلـى دارُك تدري أنه لولا الهوى *** ما طل دمع مقلتي في طَلَلِ أخواني من عرف ما يطلب هان عليه ما يبذل. لصردر: وكم ناحل بين تلك الخيام *** تحسبه بعضَ أطنابهـا أنضى القوم رواحل الأبدان في سفر الشوق حباً لتعجيل اللقاء، فكم طووا منزلاً على الظماء حتى كل كل المطي بتلك الجعجعة، ورفيق الرفق يصيح بهم. للمهيار: دعوها ترِدْ بعد خمسٍ شروعـاً *** وارخوا أزمتها والنـسـوعـا وقولوا دعاءً لها: لا عُـقـرتِ *** ولا امتدَّ دهـرُك إلا ربـيعـا حملن نشاوى بكأس الـغـرام *** فكلُّ غدا لأخـيه رضـيعـا إذا أجدبوا خصّهم جـد بـهـم *** وإن أخصبوا كان خِصباً جميعا طِوال السواعد شـمّ الأنـوف *** فطابوا أصولاً وطابوا فروعا أحبُّوا فرادى ولكنهم عـلـى *** صيحة البين ماتوا جمـيعـا حموا راحة النوم أجفانَـهـم *** ولفوا على الزفرات الضلوعا أسكّان رامة هل مـن قِـرىً *** فقد دفع الليل ضيفاً قنـوعـا كفاه من الزاد أن تـمـهـدوا *** له نظراً أو حديثـاً وسـيعـا قيل لأبي بكر النهشلي وهو في الموت اشرب قليلاً من الماء فقال: حتى تغرب الشمس. للمهيار: نفّرها عن وِردها بـحـاجـر *** شوقٌ يعوق الدمع في المحاجر وردّها على الطوى سواغـبـاً *** ذلُّ الغرام وحنـين الـذاكـر واشوقاه إلى تلك الأشباح، سلام الله على تلك الأرواح. ها إنها مـنـازل تـعـودت *** مني إذا شارفتها التسلـيمـا وقفت فيها سالماً راد الضحى *** ورحت من وجد بها سليمـا يا نفحة الشمال من تلقـائهـا *** ردي على ذلك النـسـيمـا يا هذا إن أردت لحاق السادة فخل مخالفة الوسادة، واجعل جلدتك بردتك، وحد عن الخلق والزم وحدتك، اكحل عينيك بالسهر والدمع وضع على قروح الجوع مرهم الصبر، وتزود للسير زاد العزم، واقطع طريق الدنيا بقدم الزهد، واخرج إلى خصب الأخرى عن ضنك الدنيا، وسح في بوادي التقى لتنزل بوادي الفخر، فإن وصلت إلى دوائك تناولته من يد "يُحبُّهم ويُحبونه" وإن مت بدائك فمقابر الشهداء "في مَقْعَدِ صدق". يا مشغولاً بتلفيق ماله عن تحقيق أعماله، من خطر ذكر الرحيل بباله قنع بالبلغ ولم يباله. مالك للحادثات نهـب *** أو للذي حازه وراثه أولك أن تتخذه ذخـراً *** فلا تكن أعجز الثلاثه لا بد والله من العبور إلى منزل القبور، يسفي عليك الصبا والدبور وأنت تحت الأرض تبور، آه من طول الثبور، بعد طيب الحبور، يا لكسر بعيد الجبور، لا ينفع فيه صبر الصبور، يندم على عثرته العثور، ويفترش الدثور حتى يثور، أين كسرى وبهرام جور، أين المتقلبون حجور الفجور؟ أين الحليم أين الضجور؟ أين المهر العربي، والناقة العيسجور، أين الظباء الكنس والأتراب الحور، كن يزين در البحور بالنحور، غرق الكل في يم من التلف زخور، واستوى الوضيع والفخور، تحت الصخور، لا فرق بين ذات الإيماء وذوات الخدور في ذلك المهبط الحدور، لقد بان للكل أن الدنيا غرور، وعرفوا في المصير. شرور السرور، وتيقنوا أن تزوير الأمل للخلد زور وتفصلت أعضاؤهم ولا تفصيل لحم الجزور، ودكت بهم الأرض ولا كما دك الطور، وبانت حسباناتهم وفيها قصور وتأسفوا على مساكنة القصور في مساكن القصور، وهذا المصير ولو عمرتم عمر النسور، والرامي مصيب وما يدفع السور، فإذا انقضت بعده تلك العصور ونفخ في الصور، وخرجت أطيار الأرواح من أعجب الوكور، وباتت الأرض تموج والسماء تمور، ولقي الكفور ناراً تلتهب وتفور، انزعج الخليل والكليم. فمن بشر وطيفور. كم للـمـنـايا فـي بـنـي آدم *** توسع منه تضـيق الـصـدور فالوقت لا تـحـدث سـاعـاتـه *** إلا الردى المحض بوشك المرور أيامـنـا الـسـبـعة أيسـارنـا *** وكلنا فيهـا شـبـيه الـجـزور طهرت ثـوبـاً واهـياً ثـم مـا *** قلبك إلا عـادم لـلـطـهـور لو فطـن الـنـاس لـدنـياهـم *** لا اقتنعوا منها اقتناع الـطـيور ويحك إن الدنيا تغر ولا بد لك منها، فخذ قدر الحاجة على حذر، أما ترى الطائر كيف يختلس قوته؟ هذا العصفور يألف الناس فلا يسكن داراً لا أهل بها وهو مع هذا الأنس شديد الحذر ممن جاور، هذا الخطاف يقطع البحر لطلب الأنس بالأنس ثم يتخذ وكره في أحصن مكان من البيت، ولا يحمله الأنس بهم على ترك الحذر منهم، بل يعطي الأنس حقه والحزم حقه. أما عرفت أدب الشرع في تناول المطعم، ثلث طعام وثلث شراب وثلث نفس، شره الحرص يغبى بلا غم البلادة، ولا يسهل شرب المسهل إلا على من تأذى بحركات الأخلاط، لا يقدر على الحمية إلا من تلمح العافية في العاقبة، شغل العقل النظر في العواقب، فأما الهوى فإيثار لذة قليلة تعقب ندامة طويلة، فملبس في قضاياه، المؤمن بين حرب ومحراب وكلاهما مفتقر إلى جمع الهم، ويريد المحراب القيام بأشراط الوضوء والدنيا في مقام امرأة واللمس ناقض طريق المتيقن تفتقر إلى رواحل، وابل عزائمكم كلها كال، إنما يصلح للملك قلب فارغ ممن سواه. وقلبك خان كل يوم ولـيلة *** يفارقه ركب وينزله ركب في كل يوم ترهن قلبك على ثمن شهوة فيستعمله المرتهن فدق أخلق، أنت توقد نار التوبة في المجلس، في الحلفاء، فإذا أردت منها قبساً بعد خروجك لم تجد، تبكي ساعة الحضور على الخيانة والمسروق في جيبك، يا مظهراً من الخير ما ليس له لا تبع ما ليس عندك، كم نهاك عن نظرة وتعلم أنه بالحضرة، أفلا تراقب الناظر برد الناظر، وكأنك ما تعرف أن الحاضر حاضر، واعجباً لك، تعد التسبيحة بسبحة، فهلا جعلت لعد المعاصي أخرى، يا من يختار الظلام على الضوء، الذباب أعلى همة منك، متى أظلم البيت خرج الذباب إلى الضوء، أما ترى الطفل في القماط؟ يناغي المصباح، ويحك، خذ بتلابيب نفسك، قبل أن يجذبها ملك الموت، وقل أيتها النفس الحمقاء، إن كان محمد صادقاً فالمسجد وإلا فالدير. الناس من الهوى على أصنـاف *** هذا نقض العهد، وهـذا واف هيهات من الكدور تبغي الصافي *** لا يصلح للحضرة قلب جـاف يا هذا، أكبر دليل عليك علينا، إنك كنت مبدداً في ظهور الأصول فنظمت بالقدرة نظماً عجيباً خالياً عن العبث، فما تنقض إلاّ لأمر هو أعجب منه، مدت أطناب العروق، وحفرت خنادق الأعصاب، وضربت أوتاد المفاصل، وأقيم عمد الصلب، ثم مد السرادق، فنصب سرير القلب في الباطن للملك ويسعني قلب عبدي المؤمن إذا لم يجد صب على النأي مخبراً *** عن الحي بعد البين أين أقامـوا فعند النسيم الرطب أخبار منـزل *** به لسليمى بالـعـقـيق خـيام يا هذا، إن كنت محباُ فحبيبك معك في كل حال، حتى عند الموت، وفي بطن اللحد. للغزي: يا حبذا العرعر النجدي والـبـان *** ودار قوم بأكناف الحمى بـانـوا وأطيب الأرض ما للقلب فيه هوى *** سم الخياط مع الأحبـاب مـيدان إذا أقفر قلبك من ساكن ويسعني فتحت النفس باباً لعناكب الغفلة، فنسجت في زواياه من لعاب الأمل، طاقات المنى، اللهم أجر القلوب من جور النفوس، يا سلطان القلب، نشكو إليك النزالة. إخواني، اعرفوا الدنيا وقد سلمتم، ثم اعملوا فيها بما عملتم، لا يغرنكم منها الوفر، فإنكم فيها في سفر، أما بعد توطئة المهاد الحفر؟، أتتوطن مني وتنسى النفر؟. أرى الدنيا وما وصفت ببـر *** متى أغنت فقيراً أرهقـتـه إذا خشيت لشر عـجـلـتـه *** وإن رجيت لخير عوقـتـه تعلقها ابن جهل في صـبـاه *** فهام بفارك ما عـلـقـتـه سقته زمانه مقـراً وصـابـا *** وكأس الموت آخر ما سقتـه أبادت قصر قيصر ثم جازت *** بإيوان ابن هرمز فارتقـتـه أما افتتحت له في الأرض بيتاً *** فآوته النزيل وأطـبـقـتـه إذا انفلت ابنها عنها بـزهـد *** ثنته بزخرف قد نمـقـتـه أترى لم تنفع التجارب؟، أما ترون الدنيا كيف تحارب؟، ألا تلقون حبلها على الغارب؟، أما سيف الهلاك في يد الضارب؟، تالله لقد جلا صبح اليقين ظلام الغياهب، إلا عزم زاهد، يتوكأ على عصا راهب. ودنياك إن وهبت باليمين *** يسار الفتى سلبت باليسار إخواني، احذروا الدنيا، فإنها أسحر من هاروت وماروت، ذلك يفرقان بين المرء وزوجه، وهذه تفرق بين العبد وربه، وكيف لا، وهي التي سحرت سحرة بابل، إن أقبلت شغلت، وإن أدبرت قتلت. نظرت فأقصدت الفؤاد بسهـمـهـا *** ثم انثـنـت عـنـه فـكـاد يهـيم ويلاه إن عرضت وإن هي أعرضت *** وقع السهـام ونـزعـهـن ألـيم كم في جرع لذاتها من غصص، طالبها معها في نغص: بكى عليها حتى إذا حصلت بكى *** عليها خـوفـاً مـن الـغـير إنها إذا صفت حلالاً، كدرت الدين، فكيف إذا أخذت من حرام؟، إن لحم الذبيحة ثقيل على المعاء، فكيف إذا كان ميتة؟، الظلمة في الظلمة يمشون في جمع الحطام، يصبحون ويمسون على فراش الآثام " فما ربِحَتْ تجارَتُهُمْ "، من نبت جسمه على الحرام، فمكاسبه كبريت به يوقد، الحجر المغصوب في البناء أساس الخراب، أتراهم نسوا؟ طي الليالي سالف الجبارين، وما بلغوا معشار ما آتيناهم، فما هذا الاغترار " وقدْ خَلَتْ منْ قبلِهِمُ المَثُلاتُ " فهم ينتظرون من لهم إذا طلبوا العود " فحِيلَ بينَهُمْ وبينَ ما يشتَهونَ " كم بكت في تنعم الظالم؟ عين أرملة، وأحرقت كبد يتيم " ولَتَعلَمُنَّ نبأَهُ بعدَ حين" ما ابيض لون الرغيف حتى اسودَّ وجه الضعيف، ما تروّقت المشارب حتى ترنّقت المكاسب، ما عبل جسم الظالم حتى ذوت ذواب ذات قوة، لا تحتقر دعاء المظلوم، فشرر قلبه محمول بعجيج صوته، إلى سقف بيتك، نباله مصيب، ونبله غريب، قوسه حرقه، ووتره قلقه، ومرماته هدف " لأنصرَنَّكَ " وسهم سهمه الإصابة، وقد رأيت وفي الأيام تجريب. كم من دار دارت بنعم النعم، دارت عليها دوائر النقم " فجعلناها حصيداً" كم جار في حلبة المنى؟، قد استولى طرفه على الأمد، صدمه قهر عقوبة، فألقاه أسرع من طرف، بينا القوم ينبسطون على البسيطة، كفت أكفهم بمقامع القمع، لسبتهم عقارب ظلمهم نفخ عليهم ثعبان جورهم، عقرتهم أسود بطشهم، نسفتهم عواصف كبرهم، وفي الغير عبر، ويحك، إذا كانت راحة اللذة تعقب تعب العقوبة، فدع الدعة تمضي في غير الدعة، والله ما تساوي لذة سنة غم ساعة، فكيف والأمر بالعكس؟، كم في يم الغرور، من تمساح فاحذر يا غائض، يا من قد أمكنه الزمان من حركات التصرف في العدل فما يؤمن من الزمن الزمن. ومتى بلغت إلى الرئاسة فاستلب *** كرة العلى بصوالج المعروف كان عمر يخاف مع العدل، يا من يأمن مع العدول، رؤى بعد موته باثنتي عشرة سنة، فقال الآن تخلصت من حسابي، واعجباً، أقيم أكثر من سني الولاية، أفينتبه بهذا راقد الهوى؟ أحسن شعائر الشرائع، العدل، الظلم ظلمة في نهار الولاية، وجدب يرعى لحوم الرعية، والعدل، صوت في صور الحياة، يبعث به موتى الجور، أيها الظالم، تذكر عند جورك عدل الحاكم، تفكر حين تصرفك في سرفك، عجباً لك، تدعي الظرف وتأخذ المظروف والظرف، كلا، أو في الظرافة رأفة، ستعلم أيها الغريم قدر غرامك إذا يلتقي كل ذي دين وماطله، من لم يتبع بمنقاش العدل، شوك الظلم من أيدي التصرف، أثر ما لا يؤمن تعديه إلى القلب. يا أرباب الدول، لا تعربدوا في سكر القدرة، فصاحب الشرطة بالمرصاد، سليمان الحكم قد حبس آصف العقوبة، في حصن "فلا تعجَل عليهم" وأجرى رخاء الرجاء "لئلا يكون للناس على الله حجةٌ" فلو قد هبت سموم الجزاء من مهب "ولئن مستهم نفحة" قلعت سكر "إنما نُملي لهم" فإذا طوفان التلف، ينادي فيه نوح "لا عاصم" فالحذر الحذر "قبل أن تقول نفسٌ يا حسرتا" "ولات حين مناص" وأنت أيها المظلوم فتذكر من أين أتيت؟ فإنك لا تلقى كدراً، إلا من طريق جناية "لا يُغيِّر ما يقومٍ حتى يُغيِّروا ما بأنفسهم". كان لبّان يخلط الماء باللبن، فجاء سيل فذهب بالغنم، فجعل يبكي ويقول اجتمعت تلك القطرات فصارت سيلاً، ولسان الجزاء يناديه: يداك أوكتا وفوك نفخ. اذكر غفلتك عن الآمر والأمر وقت الكسب، ولا تنسى إطراح التقوى عند معاملة الخلق، فإذا انقض عاصف فسمعت صوت سوطه يضرب عقد الكسب جزء الخيانة العقود، فلا تستطرف ذلك، فأنت الجاني أولاً، والبادي أظلم.
|